رسالة إلى الطفلة بداخلي

رسالة إلى الطفلة بداخلي

إلى الطفلة التي تسكنني..إلى تاء التأنيث فيها ..إلى الحُرة التي تتعامل مع مفهوم الأنوثة على أنه سر تُحاول اكتشافه بشغف غير آبهة بقوائم الحلول التي يُقدمها لها المُجتمع..تتعامل معه على أنه أحجية تستمع بحلها دون النظر إلى الصورة الكاملة المطبوعة على العلبة من الخارج.

أعرف بأن رسالة كهذه قد تُشعرك بالإهانة ..فأنت المُتمردة التي تمد لسانها ساخرة في وجه الصورة النمطية للأنثى ..التي تشعرين بالشفقة على نقاشات النساء في الصوالين… النسوية بالفطرة التي وُلدتِ  لهذا العالم بنظرة لا مُبالية تقول فيها أعرف محدوديتك..شكرًا لن أدخل هذا الصندوق الوردي الذي جهزّته لي!..أعرف بأن بداخلك طفلة صوفية في حُبها لأنوثتها وأخرى ثورية في تمردها على تعريف المجتمع لهذه الأنوثة .. أنت كالقروية التي تعيش بسلام متوازنة بين ثوريتها ودلالها..تضارب التُجار في السوق صباحًا وتلعب بالحنّاء مساءً !
نعم كبرتِ في يديك ألعابٌ نارية وقلم وورقة وتجارة حلوياتٍ في سكن الجامعة…لكن هذا لم يمنعك أن يكون لديك حقيبة مليئة بعرائس الباربي ! ..والآن حقيبتك تحتوي على قارئ إلكتروني وجوال يمتلئ بمكالمات مُهمة ودفتر فيه أفكارٌ عن المقاومة وفلسطين والحُرية والحقوق ولكنها أيضًا تتسع لكريم لترطيب يديك وعطر وعدة أقراط ذهب تختبئ في جيوبها !
نعم أنت اليوم أنضج من ذي قبل وكثير من المفاهيم لديك أكثر اتزانًا…أنا أثق بك جدًا لكن إليك هذه الخمس الدروس التي تعلمناها معًا عبر السنين أنا وأنت ..حتى تتذكريها جيدًا عندما تنعتك إحداهن بالمتمردة أو الغريبة أو تُنقص من أنوثتك شيئًا ! حتى تتذكريها جيدًا في المرة القادمة التي تجلدين فيها ذاتك وتصفعين فيها قلبك بقسوة لتقصيره…حتى تتذكريها جيدًا عندما تحتاجينها.

أولاً: أن الأمور تجري على ما هي عليه الآن ليس لأنها صحيحة دائمًا، بل ببساطة لأننا لم نتوقف لاختبار صحتها أو أهميتها ولم نتجرأ على تغييرها. تحليّ دائمًا بالشجاعة اللازمة للتساؤل وللاستجواب، املئي جعبتك بكل علامات الاستفهام وأعطي نفسك الإذن دائما بتشكيل مفهومك الخاص حول أي قضية. سيُملي عليكِ العالم (المجتمع- العائلة- صديقاتك)الكثير من الكلام على أنه مُسلّمات جاهزة تُحدد جدارتك بالأنوثة أو الأمومة أو الشراكة، تعاملي معها بجدية تعاملك مع إعلانات مساحيق الغسيل التي يُقدمها يوسف الجرّاح. هذا الكلام الذي يُطرح عليكِ كمُسلمة تُحدد مصيرك كزوجة أو كأم ما هو إلا (رأي) لامرأة لا تتعدى أهميته عن أهمية امرأة تعرض مسحوق غسيلها المُفضل في التلفاز. حافظي على فرديتك في تعريف أدوارك ولا تتعدي على فردية أي امرأة.

ثانيًا: أعرف بأن المُجتمع ربّاك على أن تكوني (كل شيء) في (كل الأوقات)..وأعرف جيدًا بأن لديك رغبة قوية تطغى على توقعات المجتمع بأن تكوني (كل شيء) في (كل الأوقات). أنت تفتخرين بأنك تُتقنين فن إنجاز المهام المتعددة، أنت تخططين بأن تكوني الأم المميزة لأبنائك والموظفة الناجحة والزوجة الودودة و الابنة البارة والسيدة الأنيقة والصحية والرياضية و..وكل ذلك في وقت واحد. تحركي ضد هذه الرغبة ودرّبي نفسك على ممارسة بشريتك، وعلى الاستمتاع بها رغمًا عن أنف توقعاتك غير المنطقية. أخرسي كل الأوهام والنصائح والتعليقات التي تُقنعك بأنك لست كاملة ..لست كافية ولست مثالية كما يجب وبأن عليك أن تفعلي أكثر لتكوني أفضل. المثالية ليست هدف تسعين له وإنما مشكلة معرفيه عليك التخلص منها. لا بأس بقليل من اللامبالاة في نهاية يومك..أغلقي العالم من حولك واجعلي لنفسك وقتًا لدلال وتحقيق رغباتك الشخصية.

ثالثًا: في المرة القادمة التي تُقابلين فيها إحداهن لا تسأليها أيًا من هذه الأسئلة:متى تنوين الزواج؟ أو متى تنوين الانجاب أو التوقف عنه؟ ضعي هذه الأسئلة في قائمة الأسئلة المُحرّمة حتى وإن انتهت كل المواضيع وساد بينكما صمتٌ غير مُريح. لأن هذا النوع من الأسئلة لا يُمكن أن يُطرح دون أن يصل إلى الطرف الآخر مُغلفًا بشفقة أو وصاية وإحراج ! ماذا تودين منها أن تُجيب؟ هل من إجابة واحدة لائقة لأحد هذه الأسئلة. إن قالت لك أني أود الإنجاب ولا أستطيع ستشفقين عليها وإذا قالت أني لا أود الإنجاب ستنعتينها بالمجنونة لرغبتها المعاكسة للفطرة في نظرك. في مجتمعنا يوجد لهذه الأسئلة إجابات متعددة ولكن الشفقة واحدة. هذه أسئلة غير لائقة وإن كان المُجتمع طبّعها واعتاد على عاديتها ! إنها أسئلة شخصية لا يحق لك طرحها إلا إذا كنت على درجة خاصة من القرب والثقة بهذا الشخص.

رابعا: اسألي نفسك (لماذا) دائمًا؟ إذا كانت الإجابة لأني أريد ذلك ..افعليه واستمتعي به ولا تجعلي أحدًا يُنقص من أهميته لديك. أن (تختاري) لنفسك نمط حياة تقليدي ليس أمرًا سلبيًا، المشكلة تكمن يا عزيزتي عندما يختاره شخص آخر لك ويُوهمك بأنه أعطاك حق الاختيار. المُشكلة أن تجري سعيًا لعيش نمط حياة لا يُمثلك ولا يُشبهك فقط لأنه النمط الآمن. لا تجعلي ناشطة نسوية تقلل من أهميتك لأنك اخترت أن تُربي أطفالك ولا تجعلي سيدة تقليدية تلوي ذراعك وتملأك بتأنيب الضمير لأنك قررت أن تعملي وابنك صغير. اختاري لنفسك..ادرسي أولوياتك مع من يهمك أمره واختاري ما يُناسبك. وتذكري كثيرًا من الأحيان سيكون من الصعب عليك تحديد أولوياتك ورغباتك واحتياجاتك، لا تبحثي خارجك عن إجابة جاهزة مُعلبة. كوني صبورة وفتشي في داخلك عما يُرضي الله ثم يُريحك ويُرضي ضميرك، استمعي لتجارب غيرك وأفكارهم لكن لا تأخذي منها إلا ما يُناسبك.

خامسًا: ربما لا تفهمين الكثير من الحِكم التشريعية لبعض الأحكام التي تخص النساء…ربما لا تقنعك التفاسير المُعاصرة لها. ربما ستقضين العُمر كله بحثًا عن إجابات، استمري في البحث ولا تتوقفي وآمني بحكمة الله المطلقة في ذلك. لكن تذكري دائمًا بأن الرجل الذي يستخدم شرع الله لتقييدك ليس برجل..الرجل الذي يستخدم شرع الله لإنقاصك هو رجل غير جدير باحترامك. احرصي على أن لا يهتز إيمانك بحكمة الله لأن عقلية الرجل المُضطهد ليست نتاج الشرع وإنما نتاج المُجتمع الذي عرّف له الرجولة بالاضطهاد.

أخيرًا..كوني أنت وشجعي من حولك أن يكونوا أنفسهم…إذا رأيت سلوكًا أعجبك من إحداهن اشكريها عليه وأخبريها فالكلمة الطيبة صدقة. اعرضي المُساعدة ما استطعت واطلبيها إذا احتجت فكل واحد منا يناضل في معركته الخاصة وقليل من اللطف والعون سوف يجعل من هذا العالم مكانًا أسهل للعيش فيه.

دمت الأنثى التي أحب.

ملاحظة: أعرف بأن المقالة رغم تحررها وثوريتها ..إلا أن الخطاب كله يستخدم فعل الأمر ولغة الوصاية التي لا يحبها أحدًا فينا. لكن المقالة كُتب من نفسي لنفسي ونشأ من حوار حقيقي دار بين نفسي ونفسي في زحمة مناسبة اجتماعية أشغلتني. أنا استخدم فعل الأمر في التخاطب مع نفسي كثيرًا وأؤمن بأني أحتاج لذلك فمهما كان إيماني بنسبية الأمور من حولي كبيرًا إلا أني أحتاج أن أخترع قوانين تحكم فوضى أيامي من فترة لفترة.

طلب: شاركوني قوانينكم الخاصة التي تحكم  أدواركم الاجتماعية ..وقوموا بنشر الرسالة إذا أعجبتكم !

7 Comments

  1. ابدعتي يا رفاه وقلبتي عليا مواجع نفسي فكأني بها تضع يدها على وسطها وتنظر الي موبخة بنبرتها الغاضبة تقول لي استمعي إلى هذا الحوار الشجي وكفي عن جلدي، حرريني واطلقي العنان لثوريتي
    لا حرمنا الله قلمك رفاه ولا حرمنا هذه النفس التي احببناها وسنظل نحبها مهما اختارت وأي طريق سلكت

    Reply
  2. وعادت رفاه للتدوين

    Reply
  3. يالله يا رفااااه ابدعت ابدعت
    نسيت في وسط الكلام انك كتبتي وكملت وكاني في حوار حقيقي مع نفسي حوار اضطرم وصار كانه صريخ يعلو المكان
    ياربي يباركلك حبيبتي ويزيدك من فضله
    ويكرمك
    نفسي اشاركك بمكنون نفسي لكني لم اخرج من صدمة الحوار

    Reply
  4. رسالة جميلة وجريئة .. احببتها كثيرا وبالأخص النقطة الخامسة
    اعتقد اني كنت بحاجة لأن اصوغها لنفسي بهذا الوضوح
    شكرا لك .. اختصرتِ الكثير!

    Reply
  5. Nobody shared anything, was it because you’ve already said it all??! Keep it flowing 😉

    Reply
  6. نصائح ذهبية في عصر المعلبات -كما تقولين- الذي نعيشه
    بالنسبة لي أشدد على نفسي في هذا المبدأ وأحرص على أن أكوّن طابع شخصي يخصني

    Reply
  7. I’ll try to put this to good use imaldimteey.

    Reply

Leave a Reply to منّور Cancel reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *