


ليسوا جميعًا خالة سعدية
كُنت في مصلى أبراج زمزم في أحد ليالي العشر الأواخر أنتظر آذان المغرب..جلست بجانبي امرأة ذات بشرة داكنة بلون الشوكولا وابنتها، فرشتا سجادتيهما وجلستا ..نظرت إليهما قلت في نفسي : “أووه تُشبه خالة سعدية ..عاملة النظافة في المدرسة صاحبة الوجه المليح الذي يحكي لك كيف يُمكن للكفاح والمعاناة أن تخلقا شخصًا مُحبًا للحياة وحنونًا على الجميع!” أخرجتا من حقيبتيهما ما يستعدان به للفطور..عُلبة تمر ..ماء..وأنا مُستمرة في التعمق في فكرتي عنهم..قوم خالة سعدية ..البسطاء ..الفقراء لكنهم الأغنياء بالمشاعر أووه معهم علبة تمر كاملة ..نعم خالة سعدية تفعل ذلك لكرمها فهي ستوزع على من حولها الآن افترضت بأنهم ليسو من ساكني الأبراج بل ربما حصلتا على كرت لدخول المصلى من فاعلة خير..وقلت في نفسي هؤلاء الفقراء الأتقياء الذين يغفر بهم الله لنا جميعًا نظرت للسيدة وابنتها من جديد..سألت البنت : أتريدين تمر؟ لأن التمر الذي أملكه يختلف عن النوع الذي يملكانه. ردت الابنة:..I am sorry I don’t understand Arabic تفاجأت..إنها ليست كخالة سعدية .. رددت: Is this your first time here وامتد الحديث لأكتشف بأن الأم وابنتها يسكنون نيجيريا لكنهم من طبقة متوسطة متعلمة، يتحدثون الإنجليزية ويستخدمون التقنية. تبين لي كذلك بأن الابنة متضجرة من فوضى الحرم وأنها تناضل مثلي ــ للانتصار بلحظة خشوع صافية. امتد الحديث لأتذكر للمرة المليون بأن أفريقيا ليست دولة بل قارة وبأن ليس كل ذي بشرة داكنة هو من قوم خالة سعدية وببساطتهم. وأن الأفارقة ليسوا جميعًا فقراء ينتظرون معونتنا ليبتسموا أمام كاميراتنا برضا. كان المسجد الحرام فُرصة لتأمل المسلمين من كافة بقاع الأرض وأشكالهم ومستوياتهم الثقافية والاقتصادية لكنها ليست المرة الأولى التي أجد نفسي في موقف يُبعثر صناديق التصنيف في عقلي ويهزّ الصور النمطية المعلّقة على جدرانه. في سنوات ابتعاثي تعرضت لمواقف كثيرة من...
عن الحياة التي سُرقت مني
يُمكنني تقسيم عمري القصير الا مرحلة ما قبل ٢٠٠٦ ومرحلة ما بعد ٢٠٠٦.
في عام ٢٠٠٦ قُمت بإجراء ثلاث عمليات متوالية كلفت عائلتي الكثير ماديًا ومعنويًا. خصوصًا وبأن هذه العمليات صاحبت انتصار السرطان على جدي في معركة قصيرة جداً لم تتجاوز الستة أشهر.

رسالة إلى الطفلة بداخلي
إلى الطفلة التي تسكنني..إلى تاء التأنيث فيها ..إلى الحُرة التي تتعامل مع مفهوم الأنوثة على أنه سر تُحاول اكتشافه بشغف غير آبهة بقوائم الحلول التي يُقدمها لها المُجتمع..تتعامل معه على أنه أحجية تستمع بحلها دون النظر إلى الصورة الكاملة المطبوعة على العلبة من الخارج. أعرف بأن رسالة كهذه قد تُشعرك بالإهانة ..فأنت المُتمردة التي تمد لسانها ساخرة في وجه الصورة النمطية للأنثى ..التي تشعرين بالشفقة على نقاشات النساء في الصوالين… النسوية بالفطرة التي وُلدتِ لهذا العالم بنظرة لا مُبالية تقول فيها أعرف محدوديتك..شكرًا لن أدخل هذا الصندوق الوردي الذي جهزّته لي!..أعرف بأن بداخلك طفلة صوفية في حُبها لأنوثتها وأخرى ثورية في تمردها على تعريف المجتمع لهذه الأنوثة .. أنت كالقروية التي تعيش بسلام متوازنة بين ثوريتها ودلالها..تضارب التُجار في السوق صباحًا وتلعب بالحنّاء مساءً ! نعم كبرتِ في يديك ألعابٌ نارية وقلم وورقة وتجارة حلوياتٍ في سكن الجامعة…لكن هذا لم يمنعك أن يكون لديك حقيبة مليئة بعرائس الباربي ! ..والآن حقيبتك تحتوي على قارئ إلكتروني وجوال يمتلئ بمكالمات مُهمة ودفتر فيه أفكارٌ عن المقاومة وفلسطين والحُرية والحقوق ولكنها أيضًا تتسع لكريم لترطيب يديك وعطر وعدة أقراط ذهب تختبئ في جيوبها ! نعم أنت اليوم أنضج من ذي قبل وكثير من المفاهيم لديك أكثر اتزانًا…أنا أثق بك جدًا لكن إليك هذه الخمس الدروس التي تعلمناها معًا عبر السنين أنا وأنت ..حتى تتذكريها جيدًا عندما تنعتك إحداهن بالمتمردة أو الغريبة أو تُنقص من أنوثتك شيئًا ! حتى تتذكريها جيدًا في المرة القادمة التي تجلدين فيها ذاتك وتصفعين فيها قلبك بقسوة لتقصيره…حتى تتذكريها جيدًا عندما تحتاجينها. أولاً: أن الأمور تجري على ما هي عليه الآن ليس لأنها صحيحة دائمًا، بل ببساطة لأننا لم نتوقف لاختبار صحتها أو أهميتها ولم نتجرأ على تغييرها....