


عن الحياة التي سُرقت مني
يُمكنني تقسيم عمري القصير الا مرحلة ما قبل ٢٠٠٦ ومرحلة ما بعد ٢٠٠٦.
في عام ٢٠٠٦ قُمت بإجراء ثلاث عمليات متوالية كلفت عائلتي الكثير ماديًا ومعنويًا. خصوصًا وبأن هذه العمليات صاحبت انتصار السرطان على جدي في معركة قصيرة جداً لم تتجاوز الستة أشهر.

رسالة إلى الطفلة بداخلي
إلى الطفلة التي تسكنني..إلى تاء التأنيث فيها ..إلى الحُرة التي تتعامل مع مفهوم الأنوثة على أنه سر تُحاول اكتشافه بشغف غير آبهة بقوائم الحلول التي يُقدمها لها المُجتمع..تتعامل معه على أنه أحجية تستمع بحلها دون النظر إلى الصورة الكاملة المطبوعة على العلبة من الخارج. أعرف بأن رسالة كهذه قد تُشعرك بالإهانة ..فأنت المُتمردة التي تمد لسانها ساخرة في وجه الصورة النمطية للأنثى ..التي تشعرين بالشفقة على نقاشات النساء في الصوالين… النسوية بالفطرة التي وُلدتِ لهذا العالم بنظرة لا مُبالية تقول فيها أعرف محدوديتك..شكرًا لن أدخل هذا الصندوق الوردي الذي جهزّته لي!..أعرف بأن بداخلك طفلة صوفية في حُبها لأنوثتها وأخرى ثورية في تمردها على تعريف المجتمع لهذه الأنوثة .. أنت كالقروية التي تعيش بسلام متوازنة بين ثوريتها ودلالها..تضارب التُجار في السوق صباحًا وتلعب بالحنّاء مساءً ! نعم كبرتِ في يديك ألعابٌ نارية وقلم وورقة وتجارة حلوياتٍ في سكن الجامعة…لكن هذا لم يمنعك أن يكون لديك حقيبة مليئة بعرائس الباربي ! ..والآن حقيبتك تحتوي على قارئ إلكتروني وجوال يمتلئ بمكالمات مُهمة ودفتر فيه أفكارٌ عن المقاومة وفلسطين والحُرية والحقوق ولكنها أيضًا تتسع لكريم لترطيب يديك وعطر وعدة أقراط ذهب تختبئ في جيوبها ! نعم أنت اليوم أنضج من ذي قبل وكثير من المفاهيم لديك أكثر اتزانًا…أنا أثق بك جدًا لكن إليك هذه الخمس الدروس التي تعلمناها معًا عبر السنين أنا وأنت ..حتى تتذكريها جيدًا عندما تنعتك إحداهن بالمتمردة أو الغريبة أو تُنقص من أنوثتك شيئًا ! حتى تتذكريها جيدًا في المرة القادمة التي تجلدين فيها ذاتك وتصفعين فيها قلبك بقسوة لتقصيره…حتى تتذكريها جيدًا عندما تحتاجينها. أولاً: أن الأمور تجري على ما هي عليه الآن ليس لأنها صحيحة دائمًا، بل ببساطة لأننا لم نتوقف لاختبار صحتها أو أهميتها ولم نتجرأ على تغييرها....
إنها ليست مُجرد معركة يا صديقي !
إلى أحدُهم ..مع التحية أعرف بأن هذه الرسالة قد تبدو غير مفهومة بالنسبة لك..وقد تُغضبك فكرة أن أستخدم لغة الوصاية…وقد لا تقرأها لأنها طويلة وأنت تُعاني من ملل يتسرب على شكل صداع إلى رأسك ويلتهم أي رغبة في القراءة لديك. لا يُهم سأكتبها على أي حال فهُنا يكمن سحر الرسالة بالنسبة لي، كتابة الرسائل إليك يُشبع حاجتي للنُصح والوصاية. أنا أؤمن بأننا جميعنا لدينا حاجة نفسية لأن نُنصب أنفسنا أوصياء على الآخرين ونقوم بنصحهم. إننا نتجاوز الأرق والإحساس بالنقص ونتجاوز الحيرة من خلال نُصح غيرنا. عندما ننصح غيرنا فإننا في لحظة نُعلن هُدنة مع معاركنا الداخلية..نُدير ظهرنا لمشاكلنا الشخصية..ونُمتّع أنفسنا بقليل من القوة والسلطة والسيطرة التي نفتقدها في ميداننا الشخصي. أنا آسفة ..هذا اعتذار مُسبق لك عن أي تجاوز لي في رسائلي فأنت كما تعلم عملي في مجال الارشاد النفسي يمنعني من أن أُدلي برأي أو أنصح أحدًا .مُشرفتي الاكاديمية أثناء دراستي لهذا المجال في أمريكا كبحت جماحي كوصيّ. رغم أني حاولتُ افهامها بأني قادمة من ثقافة مليئة بالوصاية وبأن كل منّا يعيش بمنطق ان الذي أمامه دائمًا على خطأ وبأنه مسئول عن انقاذه، إلا أنها لم تتوانى عن تغيير هذه العادة عندي واستخدمت الفُكاهة والضحك لتذكرني في كل يوم أثناء دراستي بأنني يُمكنني نُصحها لكن لا يُمكنني نصح العميل. وبما أني الآن تركت جامعتي ومُشرفتي فأنت ستحل محلها سأتفلسف عليك وأدلي برأي وأحكم على الأمور بطريقتي الخاصة ولن أتوانى عن الافصاح بنظامي القيمي أمامك..سأهرب من نفسي حين أحُبط وسأقول لك لا تكن ضعيفًا وتستسلم..وسأسرد عليك مُحاضرة أخلاقية عن الشجاعة والاقدام في الحياة ! نعم سأقوم بذلك فهذه أكثر طريقة أخلاقية لممارسة دور الوصاية… فأنا أعلم بأنك ستقرأها عندما تُريد وسترمي بها في قمامة بريدك الالكتروني عندما تكون غاضب...